الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (5): {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)}{ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين} للتراخي الزماني أو الرتبى والرد إما عنى الجعل فينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كما في قوله:فاسفل مفعول ثان له هنا والمعنى ثم جعلناه من أهل النار الذين هم أقبح من كل قبيح وأسفل من كل سافل خلقًا وتركيبًا لعدم جريه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات وجوز أن يكون المراد بالرد تغيير الحال فهو متعد لواحد وأسفل حال من المفعول أي رددناه حال كونه أقبح من قبح صورة وأشوهه خلقة وهم أصحاب النار وأن يكون الرد عناه المعروف وأسفل منصوب بنزع الخافض وجعل الأسفل عليه صفة لمكان وأريد بالسافلين الامكة السافلة أي رددناه إلى مكان أسفل الأمكنة السافلة وهو جهنم أو الدرك الأسفل من النار ويعكر على هذا جمعها جمع العقلاء وكونه للفاصلة أو التنزيل منزلة العقلاء ليس مما يهتش له ولعل الأولى على ذلك ان يراد إلى أسفل من سفل من أهل الدركات وقال عكرمة والضحاك والنخفي وقتادة في رواية المراد بذلك رده إلى الهرم وضعف القوى الظاهرة والباطنة أي ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة والشكل حيث نكسناه في خلقه فقوس ظهره بعد اعتداله وابيض شعره بعد سواده وقوته ضعف وشهامته خرف والآية على هذا نظير قوله تعالى: {ومنكم من يرد إلى أرذل العمر} [النحل: 70] وقوله سبحانه: {ومن نعمره ننكسه في الخلق} [يس: 68] وهو باعتبار الجنس فلا يلزم أن يكون كل الإنسان كذلك وفي إعراب أسفل قيل الأوجه السابقة والأوجه منه غير خفي ثم المتبادر من السياق الإشارة إلى حال الكافر يوم القيامة وانه يكون على أقبح صورة وأبشعها بعد ان كان على أحسن صورة وأبدعها لعدم شكره تلك النعمة وعمله وجبها وإرادة ما ذكر لا يلائمه ومن هنا قيل إنه خلاف الظاهر والظاهر ما لاءم ذلك كما هو المروى عن الحسن ومجاهد وأبي العالية وابن زيد وقتادة أيضًا وقرأ عبد الله السافلين مقرونًا بال وقوله تعالى: .تفسير الآية رقم (6): {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)}{إِلاَّ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} على ما تقدم استثناء متصل من ضمير {رددناه} العائد على الإنسان فإنه في معنى الجمع فالمؤمنون لا يردون أسفل سافلين يوم القيامة ولا تقبح صورهم بلا يزدادون بهجة إلى بهجتهم وحسنًا إلى حسنهم وقوله تعالى: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي غير مقطوع أو غير ممنون به عليهم مقرر لما يفيده الاستثناء من خروجهم عن حكم الرد ومبين لكيفية حالهم وعلى الأخير الاستثناء منقطع والموصول مبتدأ وجملة لهم أجر خبره والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والكلام على معنى الاستدراك كأنه قيل لكن الذين آمنوا لهم أجر إلخ وهو لدفع ما يتوهم من أن التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره فلا يرد أنه كيف يكون متقطعًا والمؤمنون داخلون في المردودين إلى أرذل العمر غير مخالفين لغيرهم في الحكم وقال بعض المحققين الانقطاع لأنه لم يقصد إخراجهم من الحكم وهو مدار الاتصال والانقطاع كما صرح به في الأصول لا الخروج والدخول فلا تغفل وحمل غير واحد هؤلاء المؤمنين على الصالحين من الهرمي كأنه قيل لكن الذين كانوا صالحين من الهرمي لهم ثواب دائم غير منقطع أو غير ممنون به عليهم لصبرهم على ما ابتلوا به من الهرم والشيخوخة المانعين إياهم عن انلهوض لإداء وظائفهم من العبادة أخرج أحمد والبخاري وابن حبان عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا» وفي رواية عنه ثم قرأ صلى الله عليه وسلم فلهم أجر غير ممنون أخرج الطبراني عن شداد بن أوس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تبارك وتعالى يقول إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني على ما ابتليته فإنه يقوم من مضجعه كيوم ولدته أمه من الخطايا ويقول الرب عز وجل أني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته فأجروا له ما كنتم تجرون له قبل ذلك وهو صحيح وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في الآية إذا كبر العبد وضعف عن العمل كتب له أجر ما كان يعمل في شبيبته» ومن الناس من حملهم على قراء القرآن وجعل الاستثناء متصلًا مخرجا لهم عن حكم الرد إلى أرذل العمر بناء على ما أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن الحبر قال من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وذلك قوله تعالى ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا قال إلا الذين قرؤوا القرآن وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة نحوه وفيه أنه لا ينزل تلك المنزلة يعني الهرم كي لا يعلم من بعد علم شيئًا أحد من قراء القرآن ولا يخفى أن تخصيص الذين آمنوا بما خصص به خلاف الظاهر وفي كون أحد من القراء لا يرد إلى أرذل العمر توقف فليتتبع والخطاب في قوله تعالى:.تفسير الآية رقم (7): {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)}{فَمَا يُكَذّبُكَ بَعْدُ بالدين} عند الجمهور للإنسان على طريقة الالتفات لتشديد التوبيخ والتبكيت والفاء لتفريع التوبيخ عن البيان السابق والباء للسببية والمراد بالدين الجزاء بعد البعث أي فما يجعلك كاذبًا بسبب الجزاء وإنكاره بعد هذا الدليل والمعنى أن خلق الإنسان من نطفة وتقويمه على وجه يبهر الأذهان ويضيق عنه نطاق البيان أو هذا مع تحويله من حال إلى حال من أوضح الدلائل على قدرة الله عز وجل على البعث والجزاء فأي شيء يضطرك أيها الإنسان بعد هذا الدليل القاطع إلى أن تكون كاذبًا بسبب تكذيبه فإن كل مكذب بالحق فهو كاذب وقال قتادة والأخفش والفراء الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أي فأي شيء يكذبك بالجزاء بعد ظهور دليله وهو من باب الإلهاب والتعريض بالمكذبين أي أنه لا يكذبك شيء ما بعد هذا البيان بالجزاء لا كهؤلاء الذين لا يبالون بآيات الله تعالى ولا يرفعون بها رأسًا فالاستفهام لنفي التكذيب وإفادة أنه عليه الصلاة والسلام لاستمرار الدلائل وتعاضدها مستمر على ما هو عليه من عدم التكذيب وفيه من اللطف ما ليس في الأول وجوز على هذا الوجه كون الباء عنى في وكونها للسببية وتقدير مضاف عليهما والمعنى أن أي شيء ينسبك إلى الكذب في أخبارك بالجزاء أو بسبب إخبارك به بعد هذا الدليل وكونها صلة التكذيب والدين عناه والمعنى أي شيء يجعلك مكذبًا بدين الإسلام وروى هذا عن مجاهد وقتادة والاستفهام على ما سمعت وجوز كون الدين عناه على الوجه الأول أيضًا وبعض من ذهب إلى كون الخطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم جعل ما عنى من لان المعنى عليه أظهر وضعف بأنه خلاف المعروف في ما فلا ينبغي ارتكابه مع صحة بقائها على المعروف فيها..تفسير الآية رقم (8): {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}{أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} أي أليس الذي فعل ما ذكر بأحكم الحاكمين صنعًا وتدبيرًا حتى يتوهم عدم الإعادة والجزاء وحيث استحال عدم كونه سبحانه أحكم الحاكمين تعين الإعادة والجزاء والجملة تقرير لما قبلها وقيل الحكم عنى القضاء فهي وعيد للكفار وأنه عز وجل يحكم عليهم بما هم أهله من العذاب وأيًا ما كان فالاستفهام على ما قيل تقرير بما بعد النفي ويدل على ذلك ما أخرجه الترمذي وأبو داود وابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ منكم {والتين والزيتون} فانتهى إلى قوله تعالى: {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} فليقل: بلى وَأَنَاْ على ذلكم مّنَ الشاهدين» وجاء في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أتى على هذه الآية: «سبحانك فبلى» وقد تقدم ما يتعلق بهذا في تفسير سورة {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة} فتذكر..سورة العلق: وتسمى سورة اقرأ لا خلاف في مكيتها وإنما الخلاف في عدد آيها ففي الحجازي عشرون آية وفي العراقي تسع عشرة وفي الشامي ثماني عشرة وفي أنها أول نازل أولا فذهب كثير إلى أنها أول نازل فقد أخرج الطبراني في الكبير بسنده على شرط الصحيح عن أبي رجاء العطاردي قال كان أبو موسى الأشعر يقرئنا فيجلسنا حقا عليه ثوبان أبيضان فإذا تلا هذه السورة: {اقرأ باسم ربك} قال هذه أول سورة أنزلت على محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.وقد أخرج الحاكم في المستدرك والبيهقي في الدلائل وصححاه عن عائشة نحوه.وأخرج غير واحد عن مجاهد قال أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك ثم ن والقلم وروي الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل أولا قال يا أيها المدثر قلت يقولون اقرأ باسم ربك قال أحدثكم بما حدثنا به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فساق الحديث مستدلا به على ما ادعاه وأجاب عنه الأولون بعدة أجوبة مر ذكرها وقيل الفاتحة واحتج له بحديث مرسل رجاله ثقات أخرجه البيهقي في الدلائل والواحدي من طريق يونس بن بكير عن يونس بن عمر عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل وأجيب عنه بأن ما فيه يحتمل أن يكون خبرا عما نزل بعد {اقرأ} و{يا أيها المدثر} مع أن غيره أقوى منه رواية وجزم جابر بن زيد بأن أول ما نزل {اقرأ} ثم {ن} ثم {يا أيها المزمل} ثم {يا أيها المدثر} ثم الفاتحة.وقيل أول ما نزل صدرها إلى ما لم يعلم في غار حراء ثم نزل آخرها بعد ذلك بما شاء الله تعالى وهو ظاهر ما أخرجه الإمام أحمد والشيخان وعبد بن حميد وعبد الرزاق وغيرهم من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة في حديث بدء الوحي وفيه فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم} فرجع بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ترجف بوادره إلى أن قالت ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي وفي آخرها ما رووا قال ابن شهاب وأخبرني أبو سلمة عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت زملوني فأنزل الله تعالى: {يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر} فمحى الوحي وتتابع ويعلم منه ضعف الاستدلال على كون سورة المدثر أول نازل من القرآن على الإطلاق بما روي أولا عن جابر كما لا يخفى على الواقف عليه وقد ذكرناه صدر الكلام في سورة المدثر لقوله فيه وهو يحدث عن فترة الوحي وقوله فإذا الملك الذي جاءني بحراء وقوله فمحي الوحي وتتابع أي بعد فترته وبالجملة الصحيح كما قال البعض وهو الذي اختاره إن صدر هذه السورة الكريمة هو أول ما أنزل من القرآن على الإطلاق كيف وقد ورد حديث بدء الوحي المروي عن عائشة من أصح الأحاديث وفيه فجاءه الملك فقال اقرأ فقال قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد إلخ والظاهر أن ما فيه نافية بل قال النووي هو الصواب وذلك إنما يتصور أولا وإلا لكان الامتناع من أشد المعاصي ويطابقه ما ذكره الأئمة في باب تأخير البيان وسنشير إليه إن شاء الله تعالى وفي الكشف الوجه حمل قول جابر على السورة الكاملة وفي شرح صحيح مسلم الصواب أن أول ما نزل اقرأ أي مطلقا وأول ما نزل بعد فترة الوحي يا أيها المدثر وأما قول من قال من المفسرين أول ما نزل الفاتحة فبطلانه أظهر من أن يذكر. انتهى.وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من محله والله تعالى أعلم ولما ذكر سبحانه في سورة التين خلق الإنسان في أحسن تقويم بين عز وجل هنا أنه تعالى خلق الإنسان من علق فكان ما تقدم كالبيان للعلة الصورية وهذا كالبيان للعلة المادية وذكر سبحانه هنا أيضا من أحواله في الآخرة ما هو أبسط مما ذكره عز وجل هناك فقال سبحانه وتعالى:بسم الله الرحمن الرحيم.تفسير الآية رقم (1): {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}{اقْرَأْ} أي ما يوحى إليك من القرآن فالمفعول مقدر بقرينة المقام كما قيل وليس الفعل منزلًا منزلة اللازم ولا أن مفعوله قوله تعالى: {باسم رَبّكَ} على الباء زائدة كما قال أبو عبيدة وزعم أن المعنى {اذكر رَبَّكَ} بل هي أصلية ومعناها الملابسة وهي متعلقة بما عندها أو حذوف وقع حالًا كما روى عن قتادة والمعنى {اقرأ} مبتدئًا أو مفتتحًا {باسم رَبّكَ} أي قل {بِسْمِ اللَّهِ} ثم اقرأ وهو ظاهر في أنه لو افتتح بغير اسمه عز وجل لم يكن ممتثلًا واستدل بذلك على أن البسملة جزء من كل سورة وفيه بحث وكذا الاستدلال به على أنها ليس من القرآن للمقابلة إذ لقائل أن يقول إنها تخصص القرآن المقدر مفعولًا بغيرها وبعضهم استدل على أنها ليست بقرآن في أوائل السور بأنها لم تذكر فيما صح من أخبار بدء الوحي الحاكية لكيفية هذه الآيات كذا أفاده النووي عليه الرحمة ثم قال وجواب المثبتين أنها لم تنزل أولًا بل نزلت في وقت آخر كما نزل باقي السورة كذلك وهذا خلاف ما أخرج الواحدي عن عكرمة والحسن أنهما قالا أول ما نزل من القرآن {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} [الفاتحة: 1] وأول سورة {اقرأ} وكذا خلاف ما أخرجه ابن جرير وغيره من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه قال أول ما نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قال يا محمد استعذ ثم قل {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} وقد عد القول بأنها أول ما نزل أحد الأقوال في تعيين أول منزل من القرآن وقال الجلال السيوطي أن هذا القول لا يعد عندي قولًا برأسه فإنه من ضرورة نزول السورة نزول البسملة معها فهي أول آية نزلت على الإطلاق وفيه منع ظاهر كما لا يخفى وجوز كون الباء للاستعانة متعلقة بما عندها أو حذوف وقع حالًا ورجحت الملابسة بلاسمتها عن إيها كون اسمه تعالى آلة لغيره وقد تقدم ما يتعلق بذلك أول الكتاب ثم إنه ليس في الأمر المذكور تكليف بما لا يطاق سواء دل الأمر على الفور أم لا لأنه صلى الله عليه وسلم علم أن ما أوحي قرآن فهو المكلف بقراءته عليه الصلاة والسلام ولا محذوف في كون {اقرأ} إلخ مأمورًا بقراءته لصدق المأمور بقراءته عليه وهذا كما تقول لشخص اسمع ما أقول لك فإنه مأمور بسماع هذا اللفظ أيضًا وقد ذكر جمع من الأصوليين أن هذا بيان للمأمور به في قول جبريل عليه السلام {اقرأ} المذكور في حديث بدء الوحي المتفق عليه قال الآمدي عند ذكر أدلة جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب الذي ذهب إليه جماعة من الحنفية وغيرهم ومن الأدلة ما روى أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم {اقرأ} قال وما اقرأ كرر عليه ثلاث مرات ثم قال له {اقرأ باسم رَبّكَ الذي خَلَقَ} فاخر بيان ما أمره به أولًا مع إجماله إلى ما بعد ثلاث مرات من أمر جبريل عليه السلام وسؤال النبي صلى الله عليه وسلم مع إمكان بيانه أولًا وذلك دليل جواز التأخير إلى آخر ما قال سؤالًا وجوابًا لا يتعلق بهما غرضنا ولا يخفى أن كون هذا بيانًا للمراد على الوجه الذي ذكرناه ظاهر وكونه كذلك بجعل {اقرأ باسم رَبّكَ} إلى آخر ما نزل أو {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الحاكمين اقرأ} إلخ ما ادعاه الجلال معمولًا لاقرأ المكرر في كلام جبريل عليه السلام مما لا أظن أن أصوليًا يقول به ومثله كونه كذلك بحمل الآية على ما سمعت عن أبي عبيدة وأما بناء الاستدلال على ما في بعض الآثار من أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بحراء بنمط من ديباج مكتوب فيه {اقرأ باسم رَبّكَ} إلى{ما لم يعلم} [العلق: 1-5] فقال له اقرأ فقال عليه الصلاة والسلام ما أنا بقارئ قال: {اقرأ باسم رَبّكَ} بأن يكون {اقرأ} إلخ بيانًا وتلاوة من جبريل عليه السلام لما في النمط المنزل لعدم العلم بما فيه وإن كان مشاهدًا منزلة المجمل الغير المعلوم فلا يخفى حاله فتأمل ثم أن في كلام الآمدي من حيث رواية الخبر ما فيه فلا تغفل والتعرض لعنوان الربوبية المنبئة عن التربية والتبليغ إلى الكمال اللائق شيئًا فشيًا مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم للإشعار بتبليغه عليه الصلاة والسلام إلى الغاية القاصية من الكمالات البشرية بإنزال الوحي المتواتر ووصف الرب بقوله تعالى: {الذى خَلَقَ} لتذكيره عليه الصلاة والسلام أول النعماء الفائضة عليه صلى الله عليه وسلم منه سبحانه مع ما في ذلك من التنبيه على قدرته تعالى على تعليم القراءة بالطف وجه وقيل لتأكيد عدم إرادة غيره تعالى من الرب فإن العرب كانت تسمى الأصنام أربابًا لكنهم لا ينسبون الخلق إليها والفعل إما منزل منزلة اللازم أي الذي له الخلق أو مقدر مفعوله عامًا أي الذي خلق كل شيء والأول يفيد العموم أيضًا فعلى الوجهين يكون وجه تخصيص الإنسان بالذكر في قوله تعالى:
|